سينما وتلفزيون

فيلم 196 متر: الكشف عن مأساة اختطاف الأطفال في الجزائر

منذ الدقيقة الأولى في فيلم 196 متر، للمخرج شكيب طالب بن دياب، لا يخفى على المشاهد أنه على وشك خوض رحلة في أكثر الأزقة ظلمة في تاريخ وحاضر مدينة الجزائر. من اللحظة التي تُختطف فيها فتاة صغيرة من أمام منزلها، يبدأ بن دياب في التجول في شوارع المدينة حاملًا كاميرته ومستعينًا بأبطاله، في بحث مطول عن الجاني لا يخلو من رغبة في إعادة استكشاف مدينته التي لا تزال تحاول التصالح مع ماضيها.

 

في فيلمه الروائي الطويل الأول، والذي فاز بجائزة أفضل فيلم روائي في عرضه العالمي الأول بمهرجان فليكرز رود آيلاند السينمائي الدولي بالولايات المتحدة الأمريكية، يغوص المخرج الجزائري شكيب بن دياب في أعماق أحد أكبر المشاكل التي تعاني منها الجزائر لمدة طويلة، والتي اشتدت في العشرين سنة الأخيرة، وهي اختطاف الأطفال الذي أصبح “ظاهرة” يسعى الجميع إلى تحليلها والنجاة منها.

 

باستخدام التشويق وزاوية التحقيق الاستقصائي، يتطرق بن دياب إلى جوانب عدة لتلك الظاهرة، المجتمعي منها والسياسي، من خلال شخصياته المتمثلة في دنيا الطبيبة النفسية التي تقوم بدورها مريم مدكران، وسامي مفتش الشرطة الذي يقوم بدوره نبيل عسلي، في رحلتهما للبحث عن الخاطف بينما يكتشفان شياطين الماضي التي لا تزال تسيطر على البلاد. فالمشكلة التي يتناولها الفيلم لم تبدأ لحظة اختطاف الطفلة في بداية أحداث الفيلم، لكنها بدأت منذ عقود عدة عندما سيطرت عقلية لوم الضحية والخوف من العادات والتقاليد التي قضت على أي أمل في تحقيق العدالة لهؤلاء الأطفال المُختطفين، أو كما يصفها بن دياب “إنه أمر متجذر بعمق في ثقافتنا العربية: عار أن يُنظر إلينا على أننا ضعفاء، وعار العائلة وعار المجتمع. كما لو كان الذنب ذنب الضحية”، وهنا يطرح الفيلم تساؤلًا مهمًا: هل المختطف وحده هو المسؤول عن الجريمة أم أن المجتمع بأكمله متورط معه بشكل ما؟

كما يدفع بن دياب بجميع شخصياته إلى نقطة الغليان، ربما في محاولة لاستكشاف أعماق المشكلة ودفع العيوب الإنسانية إلى أقصى الحدود. يمنح جميع شخصياته ألوان رمادية حتى الثانوي منهم ويدخل بهم في صراعات معقدة ليس بحثًا عن حل ما ولكن عن إجابة داخل تلك الفوضى. فنرى صراع بين الشرطة وسكان بعض المناطق بعد أن أخذوا اليد العليا في محاولة لتحقيق العدالة الشعبية، ونرى صراع الشخصيتين الرئيسيتين بين ماضيهما ومعتقداتهما التي تقف على طرفي الخيط، لكن دون أن ينحاز الفيلم إلى طرف على حساب الآخر، إنما يستمر في طرح المزيد من الأسئلة التي تستوجب التوقف أمامها.

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى