فيلم “بذرة التين المقدس” لمحمد رسولوف .. العنف والسجون والجنون
كان – عبدالستار ناجي
يعود المخرج الايراني محمد رسلوف الى مهرجان كان السينمائي بعد ان هرب مؤخرا من بلاده حاملا معه فيلمه الجديد – بذرة التين المقدس – وقبل ان نذهب الى الفيلم المثير للجدل والجاهز لاستقبال اهم الجوائز السينمائية نشير الى نبته ( التين المقدس ) هي عباره عن بذرة تسقط من شجرة نادرة وتنبت على مخلفات الحيوانات وتبدا بالنمو على حساب بقية النباتات التى تحيط بها حتى تبذل جميعا بينما تشمخ وتكبر تلك النبتة على الم النباتات والمزروعات الاخري . وفي العنوان دلالات لما جاء به الفيلم .
مجددا يعود محمد رسلوف الى مدينة كان ومهرجانها السينمائي الدولي . و رسولوف هو مخرج إيراني هارب ومنشق مطلوب من قبل الشرطة في بلده، حيث تلقى حكمًا طويلًا بالسجن والجلد. لقد جاء الآن إلى مدينة كان التى عودتنا ( دائما ) على انصاف المبدعين الذين يحملون قضاياهم وهمومهم السياسية الى العالم . ونحن في احدث افلامة امام دراما سينمائية غير اعتيادية وصعبة التصديق تعمل على تقديم وتحليل الاوضاع التى يعيشها الانسان في بلاده .
باختصار شديد نحن في فيلم – بذرة التين المقدس – نحن امام فيلم عن كراهية النساء والامعان في الاذلال وايضا (الثيوقراطية )التي تمارسها السلطة الرسمية في بلاده ، ويهدف إلى تجسيد الألم الداخلي والدراما النفسية للمواطنين المعارضين في بلد يمكن أن تتعرض فيه النساء للتخويف والضرب قضائياً لرفضهن ارتداء الحجاب بل يذهب الامر الى ابعد من كل ذلك حيث السجن والتنكيل ولربما الجلد والقتل . مما دفع الشباب ( من الجنسين ) للخروج في مظاهرات لرفض الامر وقوبلت تلك التظاهرات بالعنف بل بما هو ابعد من مفردة عنف .
اهمية هذا التجربة انها تعزف على وترالدراما السياسية والمحلية المتشائمة على الطراز المألوف للسينما الإيرانية، ثم يتصاعد تدريجياً إلى شيء مجنون ومثير للصدمة إلى حد كبير . بل يشعر المشاهد بانه امام كابوس يثقل يرقد على انفاسة يورطه في لعبة المشاهدة . خصوصا وهو يمزج المشاهد الدراما بعشرات المشاهد الحقيقية من افلام ماخوذة من المظاهرات وممارسات الشرطة ضدهم .
المتن الروائي للفيلم ياخذا الى حكاية المحامي الطموح إيمان (ميساج زارح) والذي تمت تمت ترقيته للتو إلى منصب محقق دولة – على بعد خطوة واحدة من أن يصبح قاضيا في المحكمة الثورية. حيث يحصل على زيادة جيدة في الراتب وإقامة الاوفيرة له و لعائلته: زوجته (التي تلعب دورها الممثلة والمتظاهرة المناهضة للحجاب سهيلة كلستاني) وابنتان في سن الطالبتين (ستاره مالك ومهسة رستمي).
حتى لان تبدو الامور اعتيادية لذا نري السعادة والفرح التي تعيشها تلك الاسرة وذلك المحقق ( المحامي ) ولكن .. وعند ولكن تبدا المسارات الجديدة . حيث تلك الترقية تجلب خيبة الأمل والتوتر على الفور ز فلا ترقية بدون حيثيات وضريبة عليه ان يدفعها . حيث يفاجئ إيمان، وهو رجل محترم كما نراه في المنطقة الاولي للحدث ، ولكنه يكتشف أنه عليه ان يصادق ويعتمد بشكل تلقائي على أحكام عقوبة الإعدام دون قراءة الأدلة بل حتى دون معرفة الاسباب والحثيثات . فقد جاءته الاوامر أنه يجب عليه ان ينفذ الاوامر من اجل الترقي .
ثم تاتى المرحلة الثالثة حينما يتم ابلاغه بانه معرض للتهديد والاغتيال هو واسرته لذا يتم إعطائة مسدس له لحماية عائلته، على ما يبدو دون أي تدريب أو توجيه حول كيفية استخدامه أو تخزينه. يتركه إيمان الساذج ملقاة حول المنزل ويضعه في الجزء الخلفي من بنطاله مثل رجل عصابات هوليوود. بكثير من العفوية ولربما السذاجة .
وياخذنا الفيلم الى عمق العلاقة الاسرية التى تجمع المحقق ايمان واسرته واللقاء ياتى على خلفية تصاعد المظاهرات تفجرت والاحتجاجات المناهضة للحجاب في إيران، حيث تم قمع أي وازع ليبرالي كان لدى إيمان ذات يوم.
وهنا نراه وهو يوبخ بناته ببرود على العشاء بسبب آرائهن النسوية المتمردة ويتهمهن بالوقوع في فخ دعاية الأعداء والعناصر الأجنبية في اشارة الى عدة دول تقف وراء تلك الحملات وتاجيجها . ويفاجي ايمان ان بناته يحملان تلك الافكار الليبرالية المطالبة بالحريات ، لكن إيمان يرفض الخوض في تفاصيل. في مشهد لا يكاد يكتمل الا على نظرة تحمل الكثير من القسوة ولربما الوعيد بما قادم .
ويدخل الفيلم المرحلة حيث تتصاعد الاحداث بايقاع متسارع وقاس عندما تساعد زوجته وبناته احدي التظاهرات الشابات مناهضات للحجاب أطلقت الشرطة النار على وجهها، يجب إخفاء ذلك أيضًا عن إيمان. يتزامن ذلك مع الحدث الاهم في الفيلم وهو اختفاء مسدس إيمان، ومع تزايد الاستياء والغضبعنده ، يشتبه المحقق في أن إحدى نساء عائلته ( زوجته او احدي بناته ) قد استولت عليه وكذبت عليه . وهنا يتحول ذلك الانسان الطيسب المحب الاسرته الى وحش كاسر بل عبد من عبيد السلطة وجبروت لا يطاق حيث يقوم بنفسة وفي منزله بالتجقيق من بناته وزوجته وهنا النقلة الاهم في مسارات المتن الدرامي وبناءه الذي يتماسك ويتطور ايقاعه وتزدحم مضامينه .
بل انه يقوم بنقله اسرته الى احدي المنطاق النائية ويقوم بحبسهن والتحقيق معهن وكانه يحقق ( فعلا ) من المتظاهرين او الخارجين عن النظام . بكثير من القسوة والعنف والصراخ والضرب ..
على خط متوازي يدخلنا الفيلم في لعبة الشك بالجميع فيمن سرق المسدس والامر يتجاوز تلك الذريعة التى تجعلنا نكتشف المعدن الحقيقي للاب المحقق وايضا خوفة من السلطة والنظام والتى تحوله الى تلك النبته التى تريد ان تلتهم كل شي حتى تبقي صامدة في خدمة النظام .
المشهد الاخير نتركة الى المشاهد حينما يشاهد الفيلم والذى ينتهي باغتيال الاب ايمان بطريقة ذكية وقاسية تؤكد على حتمية انتصار الشباب المراة على وجه الخصوص …
فيلم جرئ .. يمتلك الموقف الواضح والذى قد يكلفة الكثير ( لعل اقلها الهجرة ) . والاغتراب عن الوطن والاهل وتلك الوجوة التى عرفها وعاشها وشاركها احلامها وامالها ودافع عن قضاياه ..
فيلم علي طريقة السينما الايرانية ولكن فيلم صادم حاد وعنيف وقاس لا يجامل ولا يهادن .. يقول كلمته وهو يعرف جيدا بان قسوة ( المحقق ) الذى شاهدناه في الفيلم وهو يعذب بناته قد تناله وتنال فريق الفيلم بكاملة .. ولكنها كلمة السينما وموقفها الصريح والواضح ..
ويبقي ان نقول بان فيلم – بذرة التين المقدس – سيكون حديث العالم وحديث السينما الايرانية لسنوات ولربما لعقود .. وحضور الى كان هو اكبر من كل الجوائز .. لانه فيلم ( يصرخ ) و( ينزف ) الما .. ووجع انسانى ..ويدعم المراة وحقوقها .. سينما لا تنتهي حينما تضئ الصالة انوارها .. بل تتفجر حوار واساله ومواقف .. وهكذا دور السينما الحقيقي .. الانسان وقضاياه .